Halloween party ideas 2015

جاء القرآن الكريم بنوع آخر من أنواع الإعجاز، وهو الإعجاز العلمي، و الإعجاز العلمي نوع لم يتكلَّم عنه العلماء المسلمون قديمًا؛ إذ كان جُلُّ اهتمامهم يدور حول إعجاز القرآن الكريم من ناحية بلاغته، ونظمه، وتاريخه، ولغته، فلم يتطرَّقوا لمسألة إعجازه العلمي، والمقصود بذلك اشتمال القرآن الكريم على ألوان من القواعد العلميَّة التطبيقيَّة التي تحيَّرَ كثيرٌ من العلماء في وجودها واكتشافها.
وقد اشتمل القرآن الكريم على إشارات علميَّة سِيقَتْ مَسَاق الهداية؛ لأنه ليس كتابًا علميًّا خالصًا، ومثال ذلك ما ذكره القرآن عن التلقيح الخلطي في النبات، الذي يكون التلقيح فيه بالنقل، ومن وسائل ذلك الرياح، وهو ما أورده الله تعالى بقوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ[الحجر: 22].

نظرية تمدد الكون

ومن الأمثلة العلميَّة التي ذُكرت في القرآن الكريم، والتي أَثْبَتَ صحَّتَها العلمُ الحديث بالأدلَّة التجريبية: (نظرية تمدُّد الكون)، فقد وصف القرآن الكريم -الذي أُنْزِلَ قبل أربعةَ عَشَرَ قرنًا في وقت كان فيه علم الفلك في طوره البدائي- نظرية تمدُّد الكون، فقال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ[الذاريات: 47]، وكلمة السماء التي ذكرتها الآية السابقة، مذكورة في مواطن عدَّة من القرآن الكريم، بمعنى الكون والفضاء.
وهذه الآية القرآنيَّة كشفت أنَّ الكون يتوسَّع أو يتمدَّد، وهي نفس النتيجة التي خَلُصَ إليها العِلْمُ في أيَّامنا هذه، فحتى فجر القرن العشرين كانت النظرة العلميَّة الوحيدة السائدة في هذا العالم أنَّ الكون له طبيعة ثابتة، وهو موجود منذ الأزل، لكنَّ الأبحاث والملاحظات والحسابات التي أُجْرِيَتْ بواسطة التقنيات الحديثة كشفت أن الكون في الحقيقة له بداية، وأنه يتمدَّد بانتظام؛ ففي بداية القرن العشرين أثبت عالم الفيزياء والفلك البلجيكي جورج لوميتر[1] نظريًّا بأن الكون في حركة دائمة، وأنه يتمدَّد، وقد أكَّد هذه الحقيقة عالم الفلك الأمريكي إدوين هابل[2] عام (1929م)، حيث أثبت أن النجوم والمجرَّات تتحرَّك بعيدًا عن بعضها البعض بشكل دائم، وهذا يعني أنَّ الكون الذي يتحرَّك فيه كل شيء بشكل دائم بعيدًا عن بعضه البعض هو كَوْنٌ متمدِّد بشكل دائم[3].

دوران الشمس

ومن الآيات القرآنية المعجزة التي تدلل على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]. فالفعل تجري فيه إعجاز عظيم؛ لأنه لا يدلُّ على حركة الشمس الظاهرية التي يبصرها الناس عندما تشرق، بل هو يدلُّ على حركة واقعية أثبتتها الأرصاد؛ حيث تقول الموسوعة الفلكية: "إن الشمس تدور حول محورها مرَّة كل خمسة وعشرين يومًا"[4]. كما قُدِّرَتْ سرعة مجرَّتنا الأرضية وضمنها الشمس وهي تبتعد عن غيرها من المجرات في الكون بمقدار 980 كيلومتر في الثانية[5].

التقاء البحرين

ومن وجوه الإعجاز العلمي أيضًا قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19، 20]. حيث أثبتت الدراسات أن البحر الأبيض المتوسط في لقائه مع المحيط الأطلسي عند مضيق جبل طارق بينهما برزخ، ومن خلال التحليل الكيمائي لمياه كل منهما وجدوا أن البحر المتوسط أكثر ملوحة من الأطلسي، وأكثر حرارة، ويختلف كل منهما في الكائنات الحية[6]، كما نشرت بعثة السير جون إمري مع بعثة الجامعة المصرية بعض الملاحظات حول المياه في خليج العقبة، والتي تختلف في خواصها وتركيبها الكيميائي والطبيعي عن المياه في البحر الأحمر[7].

الجيولوجيا في القرآن

ومن الآيات المعجزات الخاصة بعلم الجيولوجيا قوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا[النبأ: 7]، وقوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ[النحل: 15، لقمان: 10]. فقد توصَّل علماء الجيولوجيا في العصر الحديث إلى أن تحت الجبل عرقًا وامتدادًا قد غُرِسَ في الطبقة اللزجة التي تحت طبقة الصخور، وقد جعل الله هذا الامتداد ماسكًا للقارات من أن تطوف أثناء دوران الأرض، ولم يتأكَّد الباحثون من هذه الحقيقة إلاَّ عام (1956م)[8] ، وكذلك أثبتت الدراسات أن كل قارة بها جبال تتميز بها، وأن ارتفاع الجبال يتناسب ومكانها في الأرض، ونوع الصخور المكونة لها، وطبيعة الأرض حولها، كما وجدوا أن توزيع الجبال على الكرة الأرضية إنما قُصِدَ به حفظها من أن تميد أو تحيد[9]، وقد ذكر القرآن هذه الحقيقة منذ ألف وأربعمائة عام، فصدق الله وصدق رسوله .

شهادة علماء الغرب المنصفين

وهذه بعض أوجه الإعجاز العلمي في القرآن التي تُثْبِتُ أنه وحي أنزله الله على عبده محمد بلفظه ومعناه، والتي تُثْبِتُ بما لا يدع مجالاً للشكِّ أن رسول الله محمدًا مُرْسَلٌ من ربِّه لهداية العالمين، وقد اعترف جلُّ علماء الغرب المنصفين بمعجزة القرآن الخالدة؛ ومن هؤلاء العلماء إميل درمنجم[10] الذي قال عن القرآن: "لا بُدَّ لكل نبي من دليل على رسالته، ولا بُدَّ له من معجزة يتحدَّى بها... والقرآن هو معجزة محمد ؛ فأسلوبه المعجز وقوَّة أبحاثه لا تزال إلى يومنا يثيران ساكن مَنْ يتلونه، ولو لم يكونوا من الأتقياء العابدين، وكان محمد يتحدَّى الإنس والجنَّ بأن يأتوا بمثله، وكان هذا التحدِّي أَقْوَى دليل لمحمد على صدق رسالته..."[11].
ولكنَّ إعجاز القرآن الكريم العلمي لا يَتَوَقَّفُ في اشتماله على النظريات العلميَّة التي لا تتجدَّد، ولا تتبدَّل، وإنما يحثُّ أيضًا على النظر في الكون وتَدَبُّره؛ فيقول تبارك وتعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ[البقرة: 266]، وهناك عشرات من الآيات القرآنيَّة التي تدعو الإنسان للتأمُّل والتفكُّر والتعقُّل في الكون الذي هو كتاب الله المنظور؛ ليستنبط منه ما يُفِيده في حياته، ويُعَمِّق الشعور بالإيمان بالله تعالى[12]

لقد تم تخزين عدد سنوات نزول القرآن بطريقة سرية في عدد الآيات التي كتبت في القرآن الكريم، لنتأمل ....

نعلم أن عدد آيات القرآن هو 6236 آية وأنه نزل في 23 سنة.. ولكن الذي يتأمل القرآن يجد أن هناك آيات لم ترقم وهي البسملات ال 112 في مقدمات سور القرآن.. فجميع سور القرآن بدأت ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ما عدا سورة التوبة. ولذلك نجد أن بعض قراء القرآن يعتبر أن البسملة آية من كل سورة.

فإذا أضفنا هذه البسملات لعدد الآيات.. سوف نجد عدد آيات القرآن مع البسملات جميعاً هو

6236 + 112 = 6348 آية

هذا العدد له سر عجيب من خلال علاقته مع عدد سنوات نزول القرآن.. فهو يساوي:

6348 = 23 × 23 × 12

وهنا نجد أن العدد 23 عدد سنوات نزول القرآن قد تم "تخزينه" بطريقة عجيبة في عدد الآيات التي كتبت في القرآن .. والناتج هو 12 بعدد شهور السنة.. فهو كتاب الله أبد الدهر!

وهذا يعني أن روايات القرآن أيضاً تحوي معجزات رقمية.. وهذا يزيد من تعقيد الإعجاز الرقمي لكتاب الله تعالى.. فإذا كان البشر عاجزون عن الإتيان بمثل القرآن .. فكيف لو طلبنا من البشر أن يأتوا أيضاً بكتاب يمكن قراءته على عشر روايات.. ويبقى متناسقاً في إعجازه؟!

معجزة شديدة التعقيد

إن عدد آيات القرآن يرتبط مع عدد سور القرآن وعدد سنوات نزوله وعدد حروفه أيضاً بطريقة عجيبة وسر الرباط هو الرقم سبعة.. دعونا نتأمل هذا التناسق العجيب:

1- عدد آيات القرآن 6236 يرتبط بعدد سنوات النزول 23 أي مصفوف العددين 6236 - 23 من مضاعفات الرقم سبعة:

236236 = 7 × 33748

2- عدد آيات القرآن 6236 يرتبط بعدد سور القرآن 114 بنفس الطريقة السابقة أي أن مصفوف العددين 6236 – 114 من مضاعفات الرقم سبعة:

1146236 = 7 × 163748

3- عدد آيات القرآن 6236 يرتبط مع عدد حروف القرآن 322604 بنفس الطريقة أي مصفوف العددين 6236 – 322604 من مضاعفات الرقم سبعة:

3226046236 = 7 × 460863748

والآن ماذا لو أضفنا البسملات في القرآن كله؟ هل تبقى المعادلات صحيحة؟ وهل نتوقع أن يبقى الإعجاز مستمراً؟ دعونا نشكل معادلات جديدة بنفس الطريقة:

1- عدد آيات القرآن مع البسملات 6348 يرتبط بعدد سنوات النزول 23 أي مصفوف العددين 6348 - 23 من مضاعفات الرقم سبعة:

236348 = 7 × 33764

2- عدد آيات القرآن مع البسملات 6348 يرتبط بعدد سور القرآن 114 بنفس الطريقة السابقة أي أن مصفوف العددين 6348 – 114 من مضاعفات الرقم سبعة:

1146348 = 7 × 163764

3- عدد آيات القرآن مع البسملات 6348 يرتبط مع عدد حروف القرآن 322604 بنفس الطريقة أي مصفوف العددين 6348 – 322604 من مضاعفات الرقم سبعة:

3226046348 = 7 × 460863764

وهناك ترابط سباعي أيضاً بين عدد الآيات مع البسملات وبين عدد حروف القرآن مع البسملات، فلو قمنا بعد حروف القرآن كاملاً مع جميع البسملات نجد 324732 حرفاً ويمكن أن نكتب:

إن مصفوف عدد آيات القرآن مع البسملات 6348 مع عدد حروف القرآن مع البسملات هو 324732 حرفاً، ومصفوف العددين أي 6348 – 324732 هذا العدد من مضاعفات الرقم سبعة:

3247326348 = 7 × 463903764

وهذا يعني أن المعادلات بقيت قائمة على الرغم من اختلاف الأعداد.. وهذا يدعو للدهشة، فكيف تبقى جميع الأعداد من مضاعفات الرقم سبعة مع العلم أننا في كل مرة نضع أعداداً جديدة تتفق مع روايات القرآن؟

بكلمة أخرى: جميع أرقام القرآن مهما تعددت الروايات وطرق العد والإحصاء.. تبقى مترابطة ومتناسقة بطريقة رياضية محكمة تشهد على أنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثل هذا القرآن.. كما قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء: 88].

ــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

www.kaheel7.com/ar

المراجع

القرآن الكريم

برنامج إحصاء القرآن

ملاحظة: في رواية حفص عن عاصم (مصحف المدينة المنورة) تعد البسملة آية من الفاتحة، وهناك 112 بسملة لا تعد آية مع أنها مكتوبة في بدايات 112 سورة (طبعاً عدا التوبة التي لم يكتب في بدايتها البسملة).. ولكن هناك روايات للقرآن تعتبر أن البسملة آية من جميع السور وبالتالي إذا قمنا بعد هذه البسملات البالغ عددها 112 (بسملة غير مرقمة) فسوف يصبح لدينا عدد آيات القرآن 6236 آية مع إضافة 112 بسملة يصبح عدد الآيات كاملة (حسب الروايات التي تعتبر البسملات آية) 6236+112 = 6348 آية.


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:تضمن القرآن الكريم الذي أنزل قبل أكثر من (1400) عام بعض المعلومات عن ظواهر بحرية لم تكتشف إلا حديثاً بواسطة بعض الأجهزة المتطورة.
ففي قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾[سورة الفرقان، الآية:53] وصف لنظام المصب، وتوضيح لامتزاج الماء العذب وماء البحر، وأن منطقة الامتزاج محمية ببعض القيود على ما يدخل إليها أو يخرج منها. وقد برهن العلم الحديث على خواص المصب هذه. كما برهنت علوم الأحياء الحديثة على أن هذه المنطقة هي منطقة محصورة تعيش فيها بعض الحيوانات الخاصة بهذه البيئة.
وبالإضافة إلى بيان وجود هذه الحواجز بين الماء العذب وماء البحر المالح فقد ذكر القرآن الكريم أيضاً وجود حواجز مماثلة في البحار نفسها قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-20] وتشبه هذه الحواجز الحدود المائية بين مياه المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وبين مياه البحر الأحمر وخليج عدن وفي مواقع أخرى من بحار العالم.
المقـــدمة
علم البحار علم حديث يعنى بمختلف ظواهر عالم البحار. وبالرغم من أن الإنسان الأول كان على صلة قوية مع الأنهار والبحار إلا أنه لم يحاول فهم هذا الحقل فهماً علمياً. إذ كان اهتمامه منصباً على التعرف على خواص الأرض التي يعيش عليها، وعلى ما يحيط به من أمور أخرى سهلة المنال. وقد ذكر الفلاسفة الأوائل قبل عهد المسيح عليه السلام بعض الآراء عن الظواهر الطبيعية إلا أنهم لم يتطرقوا إلى ذكر البحار. ومع أن المفاهيم القديمة قد كونت بعض أسس العلوم الحديثة. إلا أنه لا يوجد ذكر عن القيام بأية محاولة لفهم أسرار البحار، ما عدا بعض المحاولات حول الملاحة لتسهيل أمر رحلاتهم البحرية وتجنب مخاطرها. وقد قام (بيثيس) في القرن الرابع قبل الميلاد بربط العلاقة بين القمر والمد والجزر.
وقد درس أرسطو في نفس الفترة الحياة في بحر إيجه وناقش نظريات الفلاسفة الأوائل. وقد جمع (سترابوا) بعد ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد بعض المعلومات عن المد بطريقة غير معروفة.
وقد جاء في بحث للباحث محمد إبراهيم السمرة ما نصه:
(يحدثنا التاريخ أن العرب والفرس بعد ظهور الإسلام كانت لهم محاولات علمية في مجال علم البحار، ويذكر العالم الجغرافي ابن خرداذبة سنة (232هـ-846) ميلادية في كتابه (المسالك والممالك) أن الملاحين العرب والفرس في بحر العرب على علم بأن التيارات تعكس اتجاهها هناك مرتين في السنة. وبعد مرور مائة عام وصف المسعودي في موسوعته (مروج الذهب ومعادن الجوهر) حركات المحيط في جنوب بحر العرب قائلاً: (إن البحر الحبشي يمتد من الشرق إلى الغرب على طول خط الاستواء، وإن التيار يتغير في معظم أنحاء هذا البحر عندما تتغير الرياح الموسمية) ويحكي التاريخ أيضاً أن ابن ماجد قد دون معارفه عن بحر العرب في أربعين كتاباً، تتضمن إرشادات ملاحية، وكان ملماً بدورة الرياح في شمال خط الاستواء وجنوبه، فكيف إبرة البوصلة على قرص في علبة تضم دورة الرياح، كما كان يتحدث عن (فصول الملاحة في المحيط الهندي).
(وبالرغم من قيام الكثيرين بالعديد من الرحلات حول العالم، بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، لكنهم لم يحاولوا توسيع دائرة معلوماتهم العلمية عن البحار.
ثم بدأ علم المحيطات يأخذ مكانه بين العلوم الحديثة عندما قامت السفينة البريطانية تشالنجر challenger برحلتها حول العالم من عام (1293هـ) (1872-1876م) ثم توالت الرحلات العلمية لاكتشاف البحار.

صورة لسفينة الأبحاث البريطانية شالنجر وبجانبها خريطة تبين المسار الذي سلكته في تجوالها

صورة تذكارية لفريق السفينة البريطانية تشالنجر
وفي نهاية القرن العشرين بدأ الأمل يزداد في فهم الإنسان للبحر عن طريق الأقمار الصناعية والتصوير عن بعد ويشهد التطور التاريخي في سير علم البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار قبل (1400) عام، في فترة نزول القرآن الكريم على نبي أمي في أمة أمية، في صحراء جزيرة العرب، ومع ذلك فقد زخر القرآن الكريم بذكر أسرار الكون التي عرف الإنسان بعضها في عصرنا الحاضر.
 ومنها أسرار علم البحار، والتي منها ما يبينه هذا البحث فيما يأتي :
1- أسرار المصب والحاجز بين النهر والبحر
في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾ [سورة الفرقان، الآية: 53].
المعاني اللغوية وأقوال المفسرين في الآية:
اللفظ مرج يأتي بمعنيين بارزين:
الأول: الخلط
قال تعالى: ﴿بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج﴾[سورة ق، الآية:5]. وجاء في لسان العرب (أمر مريج: أي مختلط) وقال الأصفهاني في المفردات: (أصل المرج: الخلط) وقال الزبيدي: (ومرج الله البحرين العذب والمالح خلطهما حتى التقيا…).
وقال الزجاج: مرج: خلط يعني البحر الملح والبحر العذب
وقال ابن جرير الطبري: (والله الذي خلط البحرين فأمرج أحدهما في الآخر وأفاضه فيه) وأصل المرج: الخلط ومنه قول الله: (في أمر مريج) أي: مختلط. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: (مرج البحرين) يعني خلع أحدهما على الآخر. وعن مجاهد: أفاض أحدهما على الآخر. وعن الضحاك بمثل قول ابن عباس وذهب إلى هذا المعنى جمهور من المفسرين منهم: القرطبي وأبو حيان والآلوسي والخازن ……. ………. والرازي والشوكاني والشنقيطي.
الثاني: مجيء وذهاب واضطراب (قلق)
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (الميم والراء والجيم أصل صحيح يدل على مجيء وذهاب واضطراب) وقال: مرج الخاتم في الأصبع: قلق. وقياس الباب كله، منه (ومرجت أمانات القوم وعهودهم): اضطربت واختلطت. وجاء نفس المعنى في الصحاح للجوهري ولسان العرب وبذلك قال الزبيدي والأصفهاني .
(البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)
البحر العذب هو النهر، ووصفه القرآن الكريم بوصفين: عذب، وفرات ومعناهما: أن ماء هذا البحر شديد العذوبة، ويدل عليه وصف (فرات)، وبهذا الوصف خرج ماء المصب الذي يمكن أن يقال إن فيه عذوبة، ولكن لا يمكن أن يوصف بأنه فرات.
وما كان من الماء ملحاً أجاجاً فهو ماء البحار، ووصفه القرآن الكريم بوصفين (ملح) و(أجاج) وأجاج معناه شديد الملوحة، وبهذا خرج ماء المصب لأنه مزيج بين الملوحة والعذوبة فلا ينطبق عليه وصف: ملح أجاج.
وبهذه الأوصاف الأربعة تحددت حدود الكتل المائية الثلاث:
هذا عذب فرات: ماء النهر.
وهذا ملح أجاج: ماء البحر.
وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً: البرزخ هو الحاجز المائي المحيط بالمصب.
فما هو الحجر المحجور؟
الحِجْر والحَجْر: هو المنع والتضييق
يسمى العقل حِجْراً: لأنه يمنع من إتيان ما لا ينبغي قال تعالى: ﴿هل في ذلك قسم لذي حجر﴾ [سورة الفجر، الآية:5] والسفيه يَحْجُر عليه القاضي من التصرف في ماله فهو في حِجْر أو حَجْر والكسر أفصح. وجاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "لقد تحجرت واسعاً" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد .قال ابن منظور: (لقد تحجرت واسعاً) أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك . ونستطيع أن نفهم الحجر هنا: بأن الكائنات الحية في منطقة اللقاء بين البحر والنهر تعيش في حجر ضيق ممنوعة أن تخرج من هذا الحجر.
ووصفت هذه المنطقة أيضاً بأنها محجورة أي ممنوعة، ونفهم من هذا اللفظ معنى مستقلاً عن الأول أي أنها أيضاً منطقة ممنوعة على كائنات أخرى من أن تدخل إليها فهي:
حجر (حبس، محجر) على الكائنات التي فيها.
محجورة على الكائنات الحية بخارجها.
ويكون المعنى عندئذٍ: وجعل بين البحر والنهر برزخاً مائياً هو: الحاجز المائي المحيط بماء المصب، وجعل الماء بين النهر والبحر حبساً على كائناته الحية ممنوعاً عن الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر. ولم يتيسر للمفسرين الإحاطة بتفاصيل الأسرار التي ألمحت إليها الآية، لأنها كانت غائبة عن مشاهدتهم وتعددت أقوالهم في تفسير معانيها الخفية: فقال بعضهم في قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين﴾[سورة الفرقان، الآية:53] أي خلطهما فهما يلتقيان. ويستند هذا القول إلى المعنى اللغوي للفظ: (مرج)، وقررت طائفة أخرى من المفسرين أن معنى (وهو الذي مرج البحرين) أي (وهو الذي أرسلهما في مجاريهما فلا يختلطان.).قال ابن الجوزي: قال المفسرون: والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما فما يلتقيان، ولا يختلط الملح بالعذب، ولا العذب بالملح.
وقال أبو السعود: (وهو الذي مرج البحرين: أي خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان، من: مرج دابته: أخلاها. وبمثله قال البيضاوي والشنقيطي في أحد قوليه وطنطاوي جوهري في تفسير الجواهر. والذين قرروا هذا المعنى نظروا إلى قوله تعالى: ﴿وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾. وتقرير اختلاط الماءين يبدو متعارضاً مع وجود البرزخ والحجر المحجور. ولذلك رجح بعض المفسرين معنى الخلط. ورجح الآخرون معنى المنع. وكذلك الحال في تفسير البرزخ، فقد قرر بعض المفسرين أن برزخاً: حاجزاً من الأرض، وبمثله قال أبو حيان والرازي والآلوسي والشنقيطي.
ولقد رد ابن جرير الطبري هذا القول، فقال: (لأن الله تعالى ذكره أخبر في أول الآية أنه مرج البحرين، والمرج هو الخلط في كلام العرب على ما بينت قبل فلو كان البرزخ الذي بين العذب الفرات من البحرين، والملح الأجاج أرضاً أو يبساً لم يكن هناك مرج للبحرين، وقد أخبر جل ثناؤه أنه مرجهما. وبين البرزخ فقال: ﴿وجعل بينهما برزخاً﴾: حاجزاً لا يراه أحد) .وقال ابن الجوزي عن هذا البرزخ: (مانع من قدرة الله لا يراه أحد) .وقال الزمخشري : (حائلاً من قدرته) كقوله تعالى: ﴿بغير عمد ترونها﴾ [سورة الرعد، الآية:2] وبمثلهم، قال الأكثرون، منهم: القرطبي والبقاعي.
فتأمل كيف عجز علم البشر عن إدراك تفاصيل ما قرره القرآن الكريم.فمن المفسرين من ذكر أن البرزخ أرضاً أو يبساً (حاجز من الأرض) ومنهم من أعلن عجزه عن تحديده وتفصيله فقال: (هو حاجز لا يراه أحد)، وهذا يبين لنا أن العلم الذي أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم فيه ما هو فوق إدراك العقل البشري في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد عصره بقرون وكذلك الأمر في الحجر المحجور. فقد ذهب بعض المفسرين إلى حملها على المجاز، وذلك بسبب نقص العلم البشري طوال القرون الماضية.قال الزمخشرين: (فإن قلت، حجراً محجوراً ما معناه؟ قلت: هي الكلمة التي يقولها المتعوذ وقد فسرناها، وهي هنا واقعة على سبيل المجاز كأن كل واحد من البحرين يتعوذ من صاحبه ويقول:حجراً محجوراً) وبمثل ما قال الزمخشري قال غيره من المفسرين كأبي حيان والرازي والآلوسي، والشنقيطي .
التحقيق العلمي :
شاهد الإنسان منذ القديم النهر يصب في البحر، ولاحظ أن ماء النهر يفقد –بالتدريج- لونه المميز، وطعمه الخاص كلما تعمق في البحر، ففهم من هذه المشاهدة أن النهر يمتزج بالتدريج بماء البحر، ولولا ذلك لكان النهر بحراً عذباً يتسع كل يوم حتى يطغى على البحر.
ومع تقدم العلم وانطلاقه لاكتشاف أسرار الكون أخذ يبحث عن كيفية اللقاء بين البحر والنهر، ودرس عينات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر، ودرس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقاس درجات الحرارة، وحدد مقادير الكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية وقام بتصنيفها، وحدد أماكن وجودها، ودرس قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية.
وبعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار اتضحت للعلماء بعض الأسرار التي كانت محجوبة عن الأنظار، واكتشف الباحثون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
(1) مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.
(2) مياه البحار وهي شديدة الملوحة.
(3) مياه في منطقة المصب مزيج من الملوح والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين النهر والبحر متحركة بينهما بحسب مد البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه، وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، وتزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر.
(4) يوجد برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها حتى ولو كان النهر يصب إلى البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.
(5) عدم اللقاء المباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب بالرغم من حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج، لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام.
(6) يمتزج ماء النهر بماء البحر بصورة بطيئة مع وجود المنطقة الفاصلة من مياه المصب، والبرزخ المائي الذي يحيط بها ويحافظ على وجودها.
(7) تختلف الكتل المائية الثلاث (ماء النهر، ماء البحر، وماء المصب) في الملوحة والعذوبة، وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية الموجودة فيها ما يلي:
أ- معظم الكائنات التي في البحر والنهر والمصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها.
[ويوجد بعض الأنواع القليلة مثل سمك السلمون، وثعابين البحر تستطيع أن تعيش في البيئات الثلاث، ولها قدرة على أن تتكيف مع كل بيئة فعديدات الأشواك (فيفينس) وَمَعِدِيَّاتُ الأرجل (لبتورينا، نيريتا) والسركانات توجد في المصبات ولكنها يمكن أن تعيش في المناطق البحرية عند مناسبة الظروف البيئية، أما (النيريس) وهي من عديدات الأشواك، ومَعِدِيَّات الأرجل (نيريتينا، هيدروبيا) والقشريات (سيانثورا) فتعتبر حيوانات لمنطقة المصب ولا توجد في البحر، ومعظم كائنات البيئات الثلاث تموت إذا خرجت من بيئتها الخاصة بها] .
ب- وبتصنيف البيئات الثلاث باعتبار الكائنات التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الاسموزي في تلك الكائنات، وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، وهي منطقة المصب.
وهي في نفس الوقت منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الاسموزي Osmosis أيضاً.
وبعد: فإن هذا النظام البديع قد جعله الله تعالى لحفظ الكتل المائية الملتقية من أن يفسد بعضها خصائص البعض الآخر، ليبقى ذلك الاختلاف رحمة للناس وسائر الكائنات. وإذا كانت العين المجردة لا تستطيع أن ترى هذا الحاجز الذي يحفظ الله تعالى به منطقة المصب، فإن الأقمار الصناعية اليوم قد زودتنا بصورة باهرة، تبين لنا حدود هذه الكتل المائية الثلاث، التي تزداد وضوحاً كلما ازداد الفارق في حرارة الماء وما يحمله من مواد. (انظر الشكل).
مصب نهر Río de la في الأرجنتين تظهر منطقة الحجر المحجور بشكل واضح والتي تفصل بين النهر العذب والبحر المالح

شكل يوضح البرزخ المائي في مصب نهر فرايزر في مقاطعة كولومبيا البريطانية
[وبالرغم من أن الماء العذب يمتزج مع ماء البحر فإن هناك حدوداً على طرفي منطقة الامتزاج المحدودة، التي تفرض قيوداً على ما يدخلها أو يخرج منها.وهذا الوصف ينطبق تماماً على نظام المصب.ويوجد اليوم اختلاف حول التعريف الأساسي لهذا المصطلح، ولكن العلم الحديث أثبت وجود حدود على طرفي منطقة الامتزاج].
فانظر كيف حارت العقول الكبيرة عدة قرون –بعد نزول القرآن الكريم- في فهم الدقائق والأسرار، وكيف جاء العلم مبيناً لتلك الأسرار، وصدق الله القائل: ﴿وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها﴾ [سورة النمل، الآية:93].وانظر كيف استقر المعنى بعد أن كان قلقاً.قال تعالى: ﴿لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون﴾ [سورة الأنعام، الآية:67].
وقال تعالى: ﴿ولتعلمن نبأه بعد حين﴾ [سورة ص، الآية:88].فمن أخبر النبي الأمي في الأمة الأمية في البيئة الصحراوية حيث لا وجود لنهر ولا لمصبه عن هذه الأسرار الدقيقة عن الكتل المائية المختلفة التركيب: عذب فرات، مالح أجاج، وبينهما برزخاً وحجراً محجوراً.والحَجْر: هو المكان المحجور لكائنات حية تعيش في هذه البيئات المائية الثلاث؟!.وكم استغرق الإنسان من الزمن؟ وكم استخدم من الآلات الدقيقة والأجهزة الحديثة حتى تمكن من الوصول إلى هذه الحقائق التي جرت على لسان النبي الأمي قبل ألف وأربعمائة عام بأوجز تعبير وأوضح بيان؟من أين جاء هذا العلم لمحمد عليه الصلاة والسلام إن لم يكن من عند الذي أحاط بكل شيء علماً.
2- وصف الحاجز بين البحرين
قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-22].
وقال تعالى: ﴿وجعل بين البحرين حاجزاً﴾ [سورة النمل، الآية:61].
المعاني اللغوية وأقوال المفسرين:
البحرين: قال ابن فارس: (الباء والحاء والراء. قال الخليل: سمي البحر بحراً لاستبحاره وهو انبساطه وسعته… ويقال للماء إذا غلظ بعد عذوبته استبحر، وماء بحري أي مالح) .وقال الأصفهاني: (وقال بعضهم: البحر يقال في الأصل للماء المالح دون العذب). وقال ابن منظور: (وقد غلب على المالح حتى قل في العذب) .فإذا أطلق البحر دل على البحر المالح، وإذا قيد دل على ما قيد به.والقرآن يستعمل لفظ الأنهار للدلالة على المياه العذبة.ويطلق البحر ليدل على البحر المالح قال تعالى: ﴿وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار﴾[سورة إبراهيم، الآية:32].
وكذلك إذا أطلق البحر في الحديث (إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء) يقصد بذلك البحر المالح.
البرزخ:هو الحاجز: وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أنه لا يرى.
البغي: قال ابن منظور: (وأصل البغي مجاوزة الحد) وبمثله قال الجوهري والأصفهاني .
المرجان: قال ابن الجوزي: (وحكى القاضي أبو يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان) وروي عن الزجاج قوله: (المرجان أبيض شديد البياض) .وقال ابن مسعود: المرجان الخرز الأحمر .وقال أبو حيان: (وقال أبو عبدالله وأبو مالك: المرجان الحجر الأحمر، وقال الزجاج: حجر شديد البياض، وحكى القاضي أبو يعلي: أنه ضرب من اللؤلؤ كالقضبان) .وقال القرطبي: (وقيل المرجان عظام اللؤلؤ وكباره قاله علي وابن عباس رضي الله عنهما، واللؤلؤ صغاره، وعنهما أيضاً بالعكس أن اللؤلؤ كبار اللؤلؤ والمرجان صغاره وقاله الضحاك وقتادة) .وقال الآلوسي: (يخرج منها اللؤلؤ: صغار الدر. والمرجان كباره) .وقد رووا ذلك عن علي ومجاهد وابن عباس، وروي أيضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة العكس، (وأظن أنه إن اعتبر في اللؤلؤ معنى التلألؤ واللمعان، وفي المرجان معنى المرج والاختلاط فالأوفق لذلك ما قيل ثانياً فيهما).
وروي عن ابن مسعود أنه قال: (المرجان الخرز الأحمر).وحاصل ما سبق أن المرجان نوع من الزينة يكون بألوان مختلفة بيضاء وحمراء وكبيراً وصغيراً، وهو حجر يكون كالقضبان، وقد يكون صغيراً كاللؤلؤ أو الخرز، وهو في الآية غير اللؤلؤ، وحرف العطف بينها يقتضي المغايرة. والمرجان لا يوجد إلا في البحار المالحة.وهيا إلى النص القرآني الكريم لنرى دقائق الأسرار التي كشف عنها اليوم علم البحار: قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان*يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ [سورة الرحمن، الآية:19-22].
تصف الآيات اللقاء بين البحار المالحة، ودليل ذلك:
أ- لقد أطلقت الآية البحرين، فدل ذلك على أن البحرين مالحان.
ب- بينت الآية الأخيرة أن البحرين يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وقد تبين أن المرجان لا يكون إلا في البحار المالحة، فدل ذلك على أن الآية تتحدث عن بحرين مالحين.
ج- عندما ذكرت منطقة اللقاء بين البحر والنهر في سورة الفرقان بينت الآية أن بينهما شيئين: (1) البرزخ، (2) الحجر المحجور، قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾ [سورة الفرقان، الآية:53] أما في هذه الآيات من سورة الرحمن فقد بينت أن الفاصل هو البرزخ فدل ذلك على أن اللقاء هنا بين بحرين لا بين عذب ومالح. بسبب اختلاف ما يحدث عند اللقاء في الحالتين.
فمن الذي كان يعلم أن البحار المالحة تتمايز فيما بينها رغم اتحادها في الأوصاف التي تدركها الأبصار والحواس: (مالحة-زرقاء-ذات أمواج) وكيف تتمايز وهي تلتقي مع بعضها؟ والمعروف أن المياه إذا اختلطت في إناء واحد تجانست، فكيف وعوامل المزج في البحار كثيرة من مد وجزر وأمواج وتيارات وأعاصير؟؟
والآية تذكر اللقاء بين بحرين مالحين يختلف كل منهما عن الآخر، إذ لو كان البحران لا يختلف أحدهما عن الآخر لكانا بحراً واحداً، ولكن التفريق بينهما في اللفظ القرآني دال على اختلاف بينهما مع كونهما مالحين.
و(مرج البحرين يلتقيان) أي أن البحرين مختلطان، وهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب. وهذا ما كشفه العلم من مد وجزر في البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكن البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكن البحار المختلطة تختلط مع بعضها ببطء شديد.ومن يسمع هذه الآية فقط، يتصور أن امتزاجاً واختلاطاً كبيراً يحدث بين هذه البحار يفقدها خصائصها المميزة بها. ولكن العليم الخبير يقرر في الآية بعدها ﴿بينها برزخ لا يبغيان﴾ أي ومع حالة الاختلاط والاضطراب هذا التي توجد في البحار فإن حاجزاً يحجز بينهما يمنع كلاً منهما أن يطغى ويتجاوز حده. وهذا ما شاهده الإنسان بعدما تقدم في علومه وأجهزته، فقد وجد ماء ثالثاً يختلف في خصائصه عن خصائص كل من البحرين، ويفصل كلاً من البحرين المالحين المتمايزين في خصائصهما من حيث الملوحة والحرارة، والكثافة، والأحياء المائية، وقابلية ذوبان الأوكسجين. ووجد أن هذا الحاجز المائي متحرك بين البحرين على اختلاف فصول السنة، وهذا المعنى يندرج أيضاً تحت قوله تعالى: (مرج) الذي يعني أيضاً الذهاب والإياب والاختلاط والاضطراب. ومع وجود البرزخ فإن ماء البحرين المتجاورين يختلط ببطء شديد، ولكن دون أن يبغي أحد البحرين على الآخر. لأن البرزخ منطقة تقلب فيه المياه العابرة من بحر إلى آخر لتكتسب المياه المتنقلة من بحر إلى بحر آخر صفات البحر الذي ستدخل إليه، وتفقد صفات البحر الذي جاءت منه وبهذا يمتنع طغيان بحر بخصائصه على البحر الآخر مع أنهما يختلطان أثناء اللقاء وصدق الله القائل:﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾.ثم انظر كيف جاء الوصف القرآني في آية سورة الفرقان مبيناً خصائص اللقاء بين البحر العذب والبحر المالح، جاء الوصف الدقيق أيضاً في آيات سورة الرحمن مبيناً خصائص اللقاء بين البحرين المالحين، فظهر في عصرنا اليوم سر تلك الفوارق الدقيقة بين الوصفين:

ما يخرج منها
الفاصل بينهما
النوع
النص

(1) بينهما برزخاً
(2) وحجراً محجوراً
عذاب فرات وملح أجاج
﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾
يخرج منها اللؤلؤ والمرجان
بينهما برزخ
البحرين
﴿مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾

جدول يبين الفرق في الوصف القرآني لمنطقتي اللقاء بين بحرين عذب ومالح يزيد بشيء ذكره القرآن الكريم وهو: (حجراً محجوراً)، وهذا ما بينه الدارسون فيما يسمى بمصبات الأنهار التي تحاط ببرزخ مائي يفصلها عن البحر والنهر، وتعتبر منطقة حجر للكائنات الحية الخاصة بها، ومنطقة محجورة على الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر.
وبينت الآية أن البحرين المذكورين فيها، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، والمرجان لا يكون إلا في البحار المالحة، ولذلك لا توجد بين البحرين المالحين منطقة (حجراً محجوراً) على الكائنات الحية، لأن الاختلاف في درجة الملوحة ليس شديداً ليكون مانعاً لانتقال الكثير من الأحياء البحرية من بيئة إلى بيئة أخرى.
ولقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الحاجز الذي يفصل بين البحرين المذكورين هو حاجز من قدرة الله لا يرى كما قال ابن الجوزي وغيره، وذلك يوضح عجز أكابر العلماء عن أن يحيطوا بتفاصيل ودقائق ما ذكره القرآن.
 وصدق الله القائل: ﴿ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾ [سورة البقرة، الآية:255] وعندما شاء المولى أن يُري الإنسان تفاصيل هذه الآية كشف لهم قدراً من العلوم ازدادوا به علماً في هذا المجال، ومع كل كشف يتضح للإنسان حدود علمه، ولله در المفسرين الذين يقولون بعد كل تفسير والله أعلم.
وقد أشكل على المفسرين التوفيق بين وجود برزخ حاجز من طغيان بحر على الآخر وبين وجود حالة اختلاط بين البحرين وهو ما يدل عليه لفظ (مرج) لأن من قرر أن البحرين مختلطان، فقد أهمل دور البرزخ ووظيفته في منع البغي بين البحرين، ومن قرر وجود الحاجز المانع اضطر إلى تأويل لفظ (مرج) إلى معنى غير معناه الأصلي الدال على الاختلاط.
التحقيق العلمي
لقد توصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين كما يلي:
هناك برزخ بين البحرين يتحرك بينهما يسميه علماء البحار (الجبهة) تشبيهاً له بالجبهة التي تفصل بين الجبهتين، وبهذا يحافظ كل بحر على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسباً لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.
وهناك اختلاط بين البحرين رغم وجود هذا البرزخ لكنه اختلاط بطيء يجعل القدر الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يتحول إلى خصائص البحر الذي ينتقل إليه، دون أن يؤثر على تلك الخصائص.
اكتشف علماء البحار سر اختلاف تركيب البحار المالحة في عام (1284هـ 1873م) على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة (تشالنجر) فعرف الإنسان أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها من حيث درجة الملوحة، ودرجة الحرارة، ومقادير الكثافة، وأنواع الأحياء المائية، ولقد كانت هذه الأسرار ثمرة رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام وهي تجوب في جميع بحار العالم.
وأقام الإنسان مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار المختلفة فقرر العلماء أن الاختلاف في هذه الخصائص يفصل مياه البحار المختلفة بعضها عن بعض، لكن لماذا لا تمتزج البحار وتتجانس رغم تأثير قوتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم، وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب، واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام؟
ولأول مرة يظهر الجواب على صفحات الكتب العلمية في عام (1361هـ-1942م)، فقد أسفرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار عن وجود خواص مائية تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة، والأحياء المائية، والحرارة، وقابلية ذوبان الأوكسجين في الماء، ويكون الاختلاط بين ماء البحار عبر هذه الحواجز بطريقة بطيئة، يتحول معها الماء الذي يعبر الحاجز إلى خصائص البحر الذي دخل فيه.وهكذا يحدث الاختلاط بين البحار المالحة، مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده المحددة بوجود تلك الحواجز المائية بين البحار.وأخيراً تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار المالحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية.
وقد جاء في بحث الظواهر البحرية ما يلي:
إن مياه البحار بالرغم من أنها تبدو متجانسة إلا أن هناك فروقاً كبيرة بين بعض الكتل المائية في بعض مناطق البحار العالمية.
وتتحرك هذه الكتل على شكل وحدات متفرقة تفصلها عن بعضها البعض حدود واضحة وتحتفظ بخواصها رغم تحركها إلى مسافات بعيدة دون أن تمتزج مع بعضها.
صورة مأخوذة بالأقمار الصناعية لمضيق جبل طارق حيث تبين حدود مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والمالحة، عند دخولها في المحيط الأطلسي ذي المياه الباردة والأقل ملوحة منها.كما توجد مثل هذه الحدود بين مياه البحر الأحمر ومياه خليج عدن.

 يوضح الرسم الأنواع المختلفة للكتل المائية في المحيطات العالمية والحدود الموجودة بينها.كما يوضح كتل المياه السطحية المختلفة في بحار العالم
وهناك نقطة مهمة أخرى وهي الفرق الدقيق بين نوعي الحاجز كما ظهر بالدراسات العلمية الحديثة ووصف وصفاً دقيقاً. إذ لا توجد بين الكتل المائية في البحار منطقة محدودة كتلك التي توجد في منطقة المصب.ومن المهم جداً أن نجد ذكراً للؤلؤ والمرجان في هذه المنطقة من البحار، وأن لا نجد مثل ذلك عند بحث (التقاء المياه العذبة مع المياه المالحة)، ويدل ذلك على أن اللؤلؤ والمرجان يتكونان في المناطق البحرية النقية ولا يتكونان في مناطق امتزاج المياه العذبة مع مياه البحر. وتؤكد الدراسات البحرية الحديثة على أن المرجان يوجد فقط في المناطق المدارية –دون الاستوائية- غير الممطرة أو قليلة المطر، ولا ينمو في مناطق المياه العذبة.ومن المدهش جداً أن نرى هذا التمييز بين المنطقتين دون الحاجة إلى فحص مياه البحار بالأجهزة الحديثة المعقدة.وللباحث محمد إبراهيم السمرة الأستاذ بكلية العلوم –قسم علوم البحار، في جامعة قطر دراسة ميدانية في خليج عمان الخليج العربي ذكر فيها نتائج دراسات كيميائية قامت بها سفينة البحوث (مختبر البحار) التابعة لجامعة قطر، في الخليج العربي وخليج عمان في الفترة (1404-1406هـ –1984-1986م) وتضمن البحث مقارنة واقعية بين الخليجين بالأرقام والحسابات والرسومات والتحليل الكيميائي، وبين اختلاف خواص كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما. ووضح البحث وجود منطقة بين الخليجين تسمى في علوم البحار (منطقة المياه المختلطة) Mixed-Water Area (منطقة البرزخ).
وبينت النتائج أن عمود الماء في هذه المنطقة يتكون من طبقتين من المياه، إحداهما سطحية أصلها من خليج عمان، والأخرى سفلية أصلها من الخليج العربي. أما في المناطق البعيدة والتي لا يصل إليه تأثير عملية الاختلاط (Mixing) بين الخليجين فإن عمود الماء يتكون من طبقة واحدة متجانسة وليس من طبقتين.وأكدت النتائج أنه برغم هذا الاختلاط (في المناطق التي بها مياه مختلطة)، وتواجد نوعين من المياه فوق بعضهما البعض فإن حاجزاً ثابتاً له استقرار الجاذبية وقوتها (Gravitational Stability) يقع بين طبقتي المياه، ويمنع مزجهما أو تجانسهما حيث يتكون بذلك مخلوط غير متجانس (Heterogeneous Mixture)، وأوضحت النتائج أن هذا الحاجز إما أن يكون في الأعماق (من 10إلى50متر) إذا كان اختلاط مياه الخليجين رأسياً أي أن أحدهما فوق الآخر، وإما أن يكون هذا الحاجز على السطح إذا تجاوزت المياه السطحية لكل من الخليجين. (انظر الأشكال: رقم (5،6،7).
أوجه الإعجاز في الآيات السابقة
مما سبق يتبين:
أن العلماء الدارسين لمناطق اللقاء بين الأنهار والبحار (مناطق المصبات) اكتشفوا أن ماء النهر والبحر في منطقة اللقاء بينهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب، ويفصل بينهما ماء المصب الذي يعتبر حجراً على الكائنات الحية التي فيه محجوراً على الكائنات الخاصة بالبحار والأنهار، وأن ماء المصب محاط ببرزخ مائي يفصل بين البحر والنهر.
وذلك ما قرره القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة عام على لسان نبي أمي عاش في أرض صحراوية ليس فيها نهر ولا مصب، قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينها برزخاً وحجراً محجورا﴾.فهل تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه من أبحاث وآلات ودراسات ما تيسر للعلماء الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة؟؟والواقع أن الذي تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من ذلك فقد جاءه النبأ من العليم الخبير الذي أنزل عليه: ﴿قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض﴾ [سورة الفرقان، الآية:6].ولقد دل الوصف التاريخي في أول البحث عن تطور علوم البحار على عدم وجود أية معلومات علمية في هذا الموضوع قبل أربعة عشر قرناً من الزمان عند نزول القرآن الكريم على رسول الله .كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولاً مخيفاً تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة، والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة، وما عرف الإنسان أن البحار المالحة بحار مختلفة إلا في الأربعينات من هذا القرن، بعد أن أقام الدارسون آلاف المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، وقاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة، ونسبة الملوحة، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأوكسجين في مياه البحار في كل المحطات فأدركوا بعدئذٍ أن البحار متنوعة.وما عرف الإنسان البرزخ الذي يفصل بين البحار المالحة، إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها، وبعد أن قضى وقتاً طويلاً في تتبع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة.
التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغير فصول العام.وما عرف الإنسان أن ماءي البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي، ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق.وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين.فهل كان يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المحطات البحرية، وأجهزة تحليل كتل المياه، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة؟.وهل قام بعملية مسح شاملة، وهو الذي لم يركب البحر قط، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان وخاصة في ميدان البحار؟؟وصدق الله القائل: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾ [سورة فصلت، الآية:53].
هذا والله تعالى أعلم

يرى سفر الأمثال المنسوب إلى أحكم الحكماء الذي يدعوه اليهود بـ (الملك سليمان)، أن مجتمع النمل بلا نظام اجتماعي فيه تسلسل قيادي رتبي، بل تسير كل نملة غريزياً دون توجيهات تأتيها من أي نملة أخرى.
والنص الوارد في سفر الأمثال: (6:6-8): " اذهب إلى النملة أيها الكسلان، تأمل طرقها وكن حكيماً، التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط، وتعد في الصيف طعامها، وتجمع في الحصاد أكلها".
وهذا ما لم يخالفه القمص تادرس يعقوب ملطي عند تفسيره للكتاب المقدس في كتابه: " من تفسير وتأمُّلات الآباء الأولين "، فقال: " لا تحتاج النملة إلى قائد لها يُلزمها بالعمل، لكنها تعمل بغريزة داخلية ".
ولكن القرآن الكريم خالف هذا القول المغلوط، فذكر لنا أن للنمل أساليب في الخطاب يتحدثون فيما بينهم، فيتناصحون فيما بينهم، لذا ليست كل أفعاله غريزية تلقائية تفعل المطلوب منها دون توجيه أيٍّ من زميلاتها.
قال تعالى: "قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ". [النمل: 18]، فالنصيحة هذه صدرت من نملة تتحدث مع صويحباتها، ولو كان هروب النمل من جيش سيدنا سليمان عليه السلام سيحدث غريزياً لما كان لكلامها أي داع.
والقضية ليست قضية روائح تشم بالأنف، بل أصوات تسمع بالأذن بدليل قوله تعالى: " فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَولِها ". ولم يقل: من رائحتها..
وسبحان من كلامه القرآن


أنعم الله تعالي علينا بالحواس"نوافذ طبيعية وضرورية للتعلم والإدراك والبيان والتواصل مع العالم الخارجي". وأتقن صنعها وعملها: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم"(التين:4).. إعانة للناس علي إدراك الغاية من وجودهم علي هذه الأرض:"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"(الذاريات:56).

 فما هي هذه الحواس؟، وكيف تعمل؟، وكيف نسعد بها؟. وما هي مسئوليتنا نحوها وفق ضوابط الشرع الحنيف؟.

تتفاعل الحواس فتستقبل من الخارج المرئيات، والمُدركات، والمثيرات، والمحفزات، والملموسات والمحسوسات الخ. وترسل أشاراتها إلي الداخل العصبي والنزوعي والوجداني. ومن ثم تستقبل ، مع باقي أجزاء الجسم ـ ردود الأفعال المتنوعة والمناسبة والمتخصصة. فبواسطة الأشعة التي تنعكس من الجسم المرئي باتجاه العين ـ عضو الإبصار المُحكم التكوين، والمُتقن الخِلقة والوظائف ـ تبدأ في إرسال الصور مقلوبة إلي المخ، فيراها. ومن ثم ينفعل لها الوعي والإدراك والشعور وباقي جوانب وملكات الجسم، والنفس. إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. كما يستطيع جهاز الإبصار التمييز بين الألوان والأشكال والأحجام والضوء والظلام. والعين قادرة علي الإفصاح عما يعجز عنه اللسان وتفيض بالدموع شكوى أو مراوغة أو حزناً أو فرحاً. ومن فضل الله ونعمته.. أمد العين بوسائل وسبل لنظافتها وحمايتها ووقايتها من الأخطار والأضرار الطبيعية والبيولوجية. فالدموع الملحية غسول ورطوبة ووقاية من الميكروبات. وحركة الرموش ـ تتم بطريقة لا واعية ودون تفكيرـ وقاية، وتلطيفاً للقرنية الخ.
ولقد وهبنا الله تعالي القدرة علي التمييز بين الأصوات المختلفة (أصوات البشر، والحيوانات، والطبيعة، والآلات، والطائرات الخ) ودلالاتها ومغزاها وما ورائها من خلال جهاز السمع الرائع: الأذن وأجزائها، ومركز السمع في المخ. وعند التواجد في واقع جسماني/ أو فيزيائي جديد (ركوب طائرة أو صعود/ هبوط بواسطة مصعد كهربائي سريع).. نشعر بقرقعة في الأذن، بسبب التغير السريع في ضغط الهواء، ويبذل الجسم محاولات للتكيف والتوازن مع هذا الواقع الجديد. إن نعمتي البصر والسمع عظيمتان، شأن سائر النعم، لا يشعر بقيمتهما إلا من فقدهما، ومع ذلك فالله تعالي قد منح حواسا أخري، فالأعمى أو الأصم يستطيعان العيش حياة عادية علي الرغم من فقدهما لهاتين الحاستين.
أما حاسة الشم، والمسئول عنها هو الأنف، والذي يحتوي علي شعر دقيق لحجز الأتربة والميكروبات. فضلاً عن أن التجويف الأنفي متعرج ليزيد من مساحة السطح الداخلي، ومبطن بغشاء مخاطي يفرز مواداً مخاطية تعمل على تنقية الهواء مما فيه وترطيبه. بينما تقوم الشعيرات الدموية بتدفئة الهواء ليتناسب وحرارة الجسم. والتجويف العلوي للأنف يحتوي على الكثير من المراكز الحسية المكونة لبداية العصب الشمي، حيث تتعرف هذه المراكز الحسية على المثيرات الشمية، والمواد الطيارة الخ. وترسل معلومات إلي المخ فيحللها، وهاكم النتيجة: إنها روائح عطرة جميلة، ولها درجات وتنوعات وتركيزات عدة، وتلك روائح كريهة الخ.
في تداخل وتناغم يساعدان على التمييز بين الأطعمة والأشربة المختلفة، تؤثر حاسة الشم في حاسة التذوق. وتنتشر على اللسان حلمات التذوق (اللسان مجهز بحوالي 10000 حليمة تذوق) مختلفة الشكل والحجم تحتوى على خلايا حسية تميز بين المذاقات الرئيسية الأربعة: الحلو، الحامض، المر، والمالح. والخلايا حساسة لواحد أو اثنين منها، ثم تنتقل النبضات العصبية إلى القشرة المخية حيث يتم إدراك الطعم. ويقوم طرف اللسان بالتمييز بين طعم السكر والملح، بينما جانبي اللسان يمكنهما تحديد الطعم القابض مثل الخل. اما نهاية اللسان فيدرك الطعم المر. وبعض مواضع اللسان أكثر حساسية إزاء بعض أنواع المذاقات من سائر المواضع الأخرى. ولا يفوتنا أن للسان دور هام.. كونه "الناطق الرسمي" والترجمان الفعلي المُعبر عن أفكار وعقل وأحاسيس ومشاعر الإنسان.
أما حاسة اللمس فتكشف لنا عن التمايز بين الملمس الخشن والناعم، والساخن والبارد، والمؤلم والممتع. وهى تنظم الكثير من علاقات التفاهم والتواصل والاستحسان أو الرفض الخ. فضلا عن قيام الجلد ـ الكساء الحيوي الخارجي للجسد، ومرآة صحة البدن وجماله ـ بحماية الجسم ووقايته من الميكروبات وإفراز العرق الخ. لذا يعده العلماء عضواً من أعضاء الجسم.
لكن هذه الحواس لها مدىً وقدرة مُقدرة لا تستطيع تجاوزهما. فمثلاً لا يمكننا رؤية ماذا يجري في الشارع المجاور لنا، أو خلف جدران غرفتنا؟. فالجدار يحجب مدي وقدرة العين المبصرة. والأذن كذلك، لها ذبذبات معينة لتسمعها وهو ما يُعرف بـ"حد السمع"(تردد ما بين 16- 20000 هيرتس HZ). فلو زادت عن هذا الحد الطبيعي (فوق السمعي Ultrasound أو نقصت Infrasound لم نستطع سماع شيءٍ ما. ذلك لأن قدرة استيعاب الأذن لذبذبات الصوت قدرة محدودة (وما ينطبق على حاسة البصر والسمع ينطبق كذلك على حاسة الشم). ومع ذلك فالموجات تحت السمعية، قد لا تسمعها فعلاً، لكن قد تشعر بوجودها. الأمر الذي قد يفسر شعور البعض بأنه "مراقب أو مطارد من قبل شخص يسير خلفه".

هل الحواس خمسة فقط؟
النظر، والسمع، والشم، والتذوق، واللمس خمس حواس تعمل على رسم صورة للعالم داخل أمخاخنا. لكن الطرق الحديثة في دراسة المخ والأعصاب وعمل الدماغ تقلب تلك النظرية للإدراك الحسي رأسا على عقب. فنري رأياً علمياً يُفصل الحواس ويشير إلى إمتلاكنا إحدى عشر حاسة: البصر، والسمع، والتذوق، والشم، واللمس، والضغط، والحرارة، والبرودة، والألم، الإحساس بالحركة، والإحساس بالتوازن. والحاسة الأخيرة تتبدي عند فقد التوازن والتعثر في عائق. فيعمل الإنسان سريعاً على استعادة توازنه، وإلا تعرض للسقوط. وهذه الحاسة (أي التوازن) مركزها الرئيس الأذن. ففي كل أذن ثلاثة أنابيب نصف دائرية تدعى القنوات. وتكشف تلك القنوات طبيعة الحركة التي ننوي القيام بها. وما إذا كانت قياماً أو قعوداً، أو إلى الوراء أو إلى الأمام... فترسل إشارات خاصة إلى الدماغ، فيحللها، ويتولى إصدار الأوامر اللازمة لنحفظ ونحافظ على توازننا. لكن للعينين ومجسات القدمين وكل عضلة في الجسم أيضا دور في إرسال تقرير سريع للدماغ يوضح موقفها بالنسبة لاستواء الأرض تحتها. كما تتضمن حاسة التوازن نسبة شد العضلات في كل عضو والموقع المفترض لوضع القدم.
وهناك رأي آخر يشير إلي أن حواس الإنسان إحدى وعشرين حاسة. وذلك اعتماداً علي أن الخطوط الفاصلة بينها بدأت تذوب وفقا لكيفية تقسيم الأنظمة الحسية. فعلى سبيل المثال يمكن تصنيف الحواس الخمس حسب نوع المنبهً. وستكون الحواس الكيميائية هي التي تُستشعر في صورة تذوق أو روائح أو تحس داخليا مثل مستوى الجلوكوز بالدم. وهناك الحواس الميكانيكية اللمسية، والسمعية، والبصرية (الرؤية). وتمتلك بعض الحيوانات كذلك إدراكا كهربياً أو حساً مغناطيسياً. واتضح أن عملية الإبصار مركبة من أربع حواس فرعية تتضمن: التركيز على الهدف، والرؤية الجانبية، وإدراك المنظر العام، والرؤية المرتبطة بالحالة الذهنية: "وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" (سورة الأعراف، الآية:198). كما يمكن تقسيمها إلي حاستين اثنتين: الضوء، واللون، أو أربعاً: الضوء، والألوان (الأحمر، والأخضر، والأزرق). وفي بعض الحيوانات هناك خلاف في الشبكية بحيث تستجيب فقط للحركة، والبعض يعتبر ذلك حاسة أخرى. أما حاسة الشم فتتضمن مقدرتين أساسيتين: الأولى الإحساس بأكثر من 2000 عنصر كيميائي ثابت، والأخرى التقييم السريع لأي تمازج محتمل بين هذه العناصر يخلق رائحة غير معروفة من قبل!.
على أن كافة مجموعات الحواس تتطلب أنظمة حسية مختلفة تماماً. فمادة تذوب على اللسان وتنتج رائحة معينة تصعد إلى الأنف لتلتصق بمستقبلة معينة تختلف تماماً على تلك الحركة الميكانيكية للخلية الشعرية في الأذن الداخلية أو عن فوتون ضوء يصطدم بالشبكية. كما أنه يمكن أيضاً أن تقسيم تلك المجموعات إلى مجموعات فرعية. ومن ثم تُعرف الحاسة على أنها: "منظومة تتكون من نوع متخصص من الخلايا التي تستجيب لإشارات معينة، ومن ثم ترسل إشاراتها العصبية إلى أجزاء محددة من المخ".
لذا يمكن النظر إلى التذوق لا كحاسة واحدة بل كخمس حواس: حلو، ومالح، وحامض، ومر، ومذاق "الجلوتامات" التي تمنح الشعور بنكهات محتوية على اللحوم. كما اتضح أن حاسة اللمس تتفرع إلى أربعة أقسام: حالة اللمس الناعم (مثل شعورك بملمس الحرير)، واللمس الفيزيائي (كبرودة الماء)، واللمس العميق (كالشعور بضغط الأصابع)، وأخيراً الإحساس بتغيرات الطقس حولك. ويصنف علماء الأعصاب اللمس إلى: جلدي، وحشوي، وعظمي/ جسدي اعتماداً على المكان الذي تستشعر فيه. لكن هل يعني ذلك وجود أنظمة حسية مختلفة أم أنها مجرد مسألة متعلقة بجغرافية الجسم الداخلية والخارجية؟.
يوافق معظم الناس على أنهم يستطيعون استشعار الحرارة، والضغط، واللمس، وحاسة إدراك حركة الجسم، والتوازن الخ. لكن هناك أيضاً مجموعة كبيرة من "الحواس الداخلية" تجعلنا على اتصال دائم بما يحدث داخل أجسامنا. فهناك مثلاً الشعور بامتلاء/ فراغ المعدة، وضغط البلازما (المسؤول عن شعورنا بالعطش)، وضغط الدم، وحرارتنا الداخلية، وانتفاخ الرئتين، وامتلاء الأمعاء والمثانة، ونسبة الأوكسجين في الدم الخ.
نعم.. إلي حد كبير يمكن التعرف على مكونات العالم الطبيعي باستخدام حاسة أو اثنتين هما الإبصار واللمس. لكن عند التحدث عن الحواس فينبغي تأمل وتدبر المشاعر والمدركات. فمن دونها لن يتخطى كون أجسامنا تعمل على مستوى "ميكانيكي آلي" لا يزيد كثيراً عن مستوى "الأميبا" أو النباتات. فنبات دوار الشمس الذي ينمو متتبعا دورة الشمس الظاهرية، أو النباتات صائدة الحشرات والتي تغلق أوراقها عليها لتتغذي بها.. تفاعلات ميكانيكية لأحد المنبهات. ونحن البشر ـ بنعمة من الله وفضل ـ على العكس من ذلك، نرى الضوء والظلال، لكننا ندرك الأشياء، والفراغ، والناس، ومواضعها بالنسبة لبعضها البعض. نسمع الأصوات، فنفرق بين أصوات البشر، أو الموسيقى، أو السيارات. نتذوق ونشم مزيجاً معقدا من الإشارات الكيميائية لكن "ندرك" ذلك المزيج ككوب من العصير أو كبرتقالة، أو كقطعة من اللحم المشوي. فالإدراك هو "القيمة المضافة" التي يخلعها المخ المنظم على المعلومات الحسية. وهو يتجاوز بكثير حدود ذلك المزيج المتنافر من الأحاسيس، ليكتنف الذاكرة، والتجارب الباكرة، ويعالج المعلومات الحسية في المستويات المخية العليا.
إن ما نسمعه ليس مجرد حاصل جمع بسيط للأصوات التي تجمعها الأذن. بل صورة أكبر من ذلك، فهناك العديد من العمليات المكتنفة في الأمر، يتيح بعضها للمخ معرفة جمال/ شدة/ اتجاه الصوت. أما العمليات الأكثر تعقيداً، فتسمح لنا بتجاهل أحد الأصوات عندما ننصت لآخر. وفي متلازمة "حفل الكوكيتل" الشهيرة، نقوم بتجاهل كافة الأصوات الخارجية عندما نكون طرفاً في مناقشة. لكن نستطيع تحويل انتباهنا بسرعة إذا ذكر أحد أسمائنا. ويعني ذلك ضمنا أننا نظل دائما "ننصت" للأصوات المحيطة برغم أننا لا "نستمع" إليها إلا عندما تصبح فجأة ذات مغزى بالنسبة لنا. لذا كان الأمر الإلهي المتعلق بالقرآن الكريم: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (سورة الأعراف: الآية: 204).
وهناك الإحساس والحكم على حجم الأشياء وسرعتها: فاتساق رؤيتنا للعالم ينبع من حقيقة أن حجم الأشياء لا يتغير كثيراً خلال فترات زمنية قصيرة. فبالنسبة لجسم معتادون عليه مثل سيارة فكلما بدت أكبر أدركنا أنها أكثر قربا. وبرغم أن الصورة التي نستشعرها تكون صغيرة، نعلم أن هذا الشيء كبير الحجم. وبرغم أن القطارات مألوفة لنا فإن كثيرين يخطئون في تقدير مدي بعدها، وسرعتها، وهو ما قد يؤدي لوقوع حوادث دهس. ولا تُحل هذه الأمور بالتفكير الداخلي حول أي/ كم من الحواس لها الغلبة في الأمر. بل بالوصول إلى "كـُل إدراكي" من جميعها، وهذا فعل الوظائف العقلية العليا.
الحاسة السادسة.. والستون
ورغم أن البعض يطلق على الظواهر النفسية الخارقة لقب "الحاسة السادسة" لكن الحاسة السادسة تتعلق بقدرتنا على (التوازن) وإحساسنا بحركات الجسم المختلفة. ففي الأذن البشرية توجد ثلاث قنوات (أفقية، وعمودية، وجانبية) مليئة بسائل يوضح للدماغ حركة ووضع الجسم. وبدون هذه الحاسة لا يمكن للإنسان الوقوف منتصباً أو الحفاظ على توازنه لمسافة طويلة. وبعد الحاسة السادسة تأتي مجموعة كبيرة من الحواس النفسية الخارقة: كالتخاطر، والبصيرة، والحلم بالمستقبل، والإحساس بقرب المخاطر، ورؤية الأماكن البعيدة (أثناء النوم) الخ.
فقبل أن يرن الهاتف بثوان يقفز إلي ذهنك (فلان).. لتجده هو من يتصل بك. وتجلس تتذكر (فلاناً).. تجده بعدها بدقائق على بابك.، لماذا قبل أن تقابل صديقك الذي لم تره منذ زمن، تجده في عقلك قبلها بيوم مثلا؟، هل تشعر فجأة بأنك قد رأيت هذا المشهد من قبل ولا تعرف متى؟، هل كنت تقف في الطريق لترى من تتوقع له الشر، لتجده بالفعل يسقط أو يحدث له شيء ما أمام عينيك؟.
فأين هي مصدر هذه الظواهر النفسية الخارقة؟. الاحتمال الأول: الغدة الصنوبرية، يقول د. "جوزيف سينيل":" تعد الغدة الصنوبرية مصدر الحاسة السادسة في الحيوانات الفقارية والمسئولة عن تواصلها من مسافات بعيدة. وبفضلها تنسق الحيوانات أعمالها وتشعر الأم بالمخاطر التي تحيط بوليدها ولو كان على بعد أميال. وقد دلت أبحاثي على مسؤولية هذا العضو عن التواصل الغريزي والاستثنائي لدى الإنسان . كما اتضح أنها في الحيوانات أكبر منها لدى الإنسان، ولدى الرجل البدائي أكبر منها لدى الرجل المتحضر، ولدى الأطفال أكبر منها لدى البالغين".
ومن المعلوم أن الغدة الصنوبرية حساسة للضوء، وتتأثر بالذبذبات الكهرومغناطيسية الضعيفة. وتقع في الحيوانات الثديية في مؤخرة الرأس (تحت الجلد مباشرة) مما يتيح لها التفاعل مع الضوء والظلام. وبفضل حساسيتها للضوء (وزمن الإضاءة) تنظم حياة الكائنات تبعاً لتغير الفصول، وطول النهار. فهي المسئولة عن توقيت سن البلوغ واليأس لدى الحيوانات، أما لدى الإنسان فتقع هذه الغدة (خلف) عظام الجمجمة مما يصعب وصول النور إليها مقارنة ببقية المخلوقات. ولكنها في المقابل تتأثر بالأشعة السينية والكهرومغناطيسية التي، علي عكس الضوء، تستطيع اختراق العظام والتغلغل بداخلها. وبما إن دماغ الإنسان نفسه يصدر ذبذبات كهربائية وتموجات مغناطيسية، يعتقد بعض العلماء ان الغدة الصنوبرية مسؤولة عن استقبال هذه التموجات.
أما الاحتمال الثاني: يفترض بعض الباحثين أن الشعيرات الصغيرة (الموجودة في مؤخرة الرقبة) تلعب دورا مهما في استقبال واستشعار التموجات التي يصدرها الآخرون. والاحتمال الثالث: هو تلك الموجات التي يصدرها الإنسان الى الآخرين "مفهوم التخاطر". أي: "أرسل إليك موجات استقبلتها أنت وترجمتها، ولكن لك تفهم مغزاها: هل سيأتي الآن؟، هل هو بخير؟.
وكي يسهل الأمر: هناك (10) حواس أساسية يعترف بوجودها.. مثل السمع والبصر والتوازن. وهناك (21) حاسة فرعية أو حديثة بدأت تحظى بقبول واسع.. كالإحساس بشد العضلات، وتقلبات الضغط الجوي. وهناك (35) حاسة خارقة - محل جدل - كالتخاطر والبصيرة والشعور بقرب الخطر، وبهذا يصبح المجموع (66).
للحواس وظائف أخرى.. كيف نسعد بها؟
للحواس وظائف أخرى تساعد على خفض التوترات والشعور بالراحة بالسعادة النفسية، فكيف يكون ذلك؟. قال تعالى:"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون")سورة النحل، الآية: 78). وقد ميز الله سبحانه وتعالى السمع والبصر عن بقية الحواس الأخرى كاللمس، الشم والتذوق وهى من النعم التي لا تقدر بثمن وقد ذكر الله نعمة البصر مقترنة بنعمة السمع والفؤاد والسمع والبصر هما من أهم الوسائل التي يتعرف من خلالها الإنسان ما حوله بمساعدة بقية الحواس الأخرى في إمداده بالمعلومات عما حوله ومن هنا ارتبطت نعمة البصر بالعين التي تشبه الكاميرا.
أما نعمة الفؤاد فهي من أكمل النعم ويقصد به الشعور الداخلي الروحي الرباني المرتبط بالقلب. وهو الشعور الذي يمثل حقيقة الإنسان المدرك والمخاطب. ولهذا أعطى الله سبحانه وتعالى الإنسان السمع ليسمع والبصر ليرى آياته الكبرى فيستدل بها على وحدانيته سبحانه:" ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون" (سورة يونس، الآية: 42). والمقصود بإعطائه الحواس للعلم ومتطلباته لأن السمع والبصر أهم حواس الإنسان التي تساعده على سرعة نموه العقلي ونضجه ورشده. والتي من خلالهما يتعلم الإنسان، وقد تعجب من أنك تتعلم بحاسة السمع أضعاف ما تتعلمه بواسطة البصر؟. إن تقدم السمع على البصر تشير إلي الأولوية وليس إلي التفضيل بالرغم من أن البصر مدخل العلم وهو أعلى درجة من السمع فهو (عين اليقين) قال تعالى:"لنريك من آياتنا الكبرى فاعتبروا يا أولي الأبصار" (سورة الحشر، الآية:10). فلليقين درجات أولها: السمع، وثانيها البصر، وأعلاها الإدراك والرؤية المباشرة.
أما حاسة الشم فهي تحتوي على 20 مليون خلية عصبية لتمييز الروائح عن طريق سائل ذهني له خاصية عجيبة حيث تتفاعل مع الرائحة كيميائياً فتنتج أشكالاً هندسية مميزة حسب الشعور النفسي. وحاسة اللمس وتأتي من حيث الأهمية بعد السمع والبصر مباشرة فهي تساعد الإنسان على اكتساب المعلومات من العالم الخارجي عن طريق الأعضاء الحاسة ذات القيمة الكبرى السمع، البصر واللمس. أما حاسة التذوق فبفضل خلايا خاصة تنتشر على اللسان تساعد على سهولة التذوق، وبالتقاء حاستي الشم والتذوق يتوفر للإنسان الشعور بلذة ما أنعم الله عليه من خيرات الدنيا. هذه الحواس جميعها لابد لها من أن تنموا نمواً طبيعياً وتمارس دورها وفق ما خلقت من أجله .أما الركائز الخمس (التوازن،التركيز، المرونة، القوة، الحركة) فمن المهم تدريب الحواس الخمس للتكيف مع التغيرات والواقع الجديد ببعض التمارين التي تعززها. والتي تحقق التوازن والانسجام العصبي العقلي والعاطفي الانفعالي.
الإسلام.. يحدد مسئوليتنا نحو حواسنا
نِعمُ الله تعالي علي الناس أكثر من أن تحصي، يقول تعالي:"وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيم"ٌ(سورة النحل، الآية:18)، ويقول جل شانه:"وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ"(سورة إبراهيم، الآية:34)، فخلق للإنسان وتكوين، وإيجاد من عدم، وحواس يتعلم ويبين بها، وهداية بالرسل والكتب، ثم تسخير الكون، وتذليل كل ما فيه للإنسان، كي يتفرغ هو لعبادة ربه ويُحسن الخلافة في الأرض:"قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ"(سورة الملك، الآية:23). آيات وآلاء متعددة ونعم متعددة لا ينكرها إلا جاحد.
وقال تعالي:"وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"(سورة الإسراء، الآية:36)، سيسألنا الله تعالي عن المجالات التي استعملنا فيها هذه الحواس كوسائل للمعرفة منّ ـ سبحانه وتعالي ـ بها علينا، فالسمع ينبغي أن يكون في سماع الحق وكلماته من قرأن وسنة، لا الباطل وزيفه وزخرفه من أفكار الشك والإلحاد، يكون في سماع الكلمة الطيبة والهداية لا الخبيثة من غيبة ونميمة وضلالة. كذلك البصر فنري به آيات عظمة الله تعالي في الآفاق والأنفس، تبصرة وذكري وشكر وحمد: يقول الله تعالي:"ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ"(سورة السجدة، الآية:9)،...."وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ"(سورة المؤمنون، الاية:78)، لا أن يستعمل البصر في رؤية المحرمات، وتتبع عورات الناس، واللهو والفساد والإفساد. فحواس لم تستعمل في الحق في الدنيا.. ستنقلب وسائل نقمة وألما في الآخرة، فهاهو الإحساس عبر الجلد:"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا" (سورة النساء، الاية:56)، كذلك التذوق:"يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ"(سورة إبراهيم، ألآية:17). وتبقي الأفئدة (القلوب) هي الموجهة وهي محل العقيدة السليمة، لا الباطلة، محل التفكر والتبصر السليم لا الضال. فالله تعالي يأمر بالتحري في كل ما يسمع ويبصر ويُدرك، وينهي عن التقليد، والرجم بالغيب، وعدم التثبت.."منهج علمي حق" يهدي إلي توحيد وتصديق وعبادة وإخلاص لله تعالي المنعم المتفضل. صفوة القول: حواسنا هي بوابات التواصل مع الكون والناس والأشياء. فينبغي استعمالها في حسن السير إلي خالقها، وخالق الكون، فنسعد بها، ونُرضي بها ربنا.

تأملات إيمانية

[تأملات إيمانية][fbig1]

دروس ومحاضرات

[دروس ومحاضرات][slider2]

يتم التشغيل بواسطة Blogger.